الكاتب / فايز فرج |
الحقيقة الأبدية اللازمة التى يعرفها الإنسان فى كل زمان ومكان هى أن حياته ستنتهى فى يوما ما، طالت أم قصرت، كانت سعيدة أم تعيسة، غنية أم فقيرة، فرحة أم حزينة، هى الحياة ولابد أن تنتهى بالنسبة للإنسان والحيوان والبنات، بل الجماد أيضا تطوله النهاية والموت، لهذا قال أحمد شوقى أمير الشعراء فى رائعته أبى الهول:
أن الحياة تفل الحديد إذا لبسته وتبلى الحجر. لكن الإنسان كثير مايعاند ويحاول أن يهرب من هذه الحقيقة ويلهى نفسه بأشياء كثيرة تافهة ليس لها قيمة ثم يفاجأ بالموت نهاية كل حى.
يعبر شاعر المهجر الكبير إيليا أبوماضى عن هذه الحال فى قصيدته الرائعة: فلسفة الحياة فيقول فى بعضها:
أنت للأرض أولا وأخيراً كنت ملكاً، أما كنت عبداً ذليلاً
لاخلود تحت السماء لحى فلماذا تراود المستحيلا ؟
كل نجم الى الأفول، ولكن آفة النجم أن يخاف الأفولا.
عاشق الحياة يحبها على بعضها، بحلوها وموها، بجمالها وقبحها، بفقرها وغناها، هو متعمق فى معناها وفلسفتها، ومن هنا يعيشها ويعمل حساب الموت الذى سيجئ حتما فى يوم ما، فيعمل ويجاهد وينجح فى حياته ومستعد لنهايته، هناك اشخاص تراهم كالملائكة على الأرض، يقدمون لك الحب، يعيشون فى مخافة الرب وبتعاليمه يحبهم كل الناس ويتوقون ويتشوفون لرؤيتهم ومعايشتهم، هؤلاء هم العقلاء فعلا.
قضية الحياة والموت من القضايا التى قتلها الإنسان بحثاً منذ وجود على الأرض ومازال، ومع ذلك لا يزال البعض لا يتقبلون الموت أو النهاية، فهذا فيلسوف اللامعقول الفرنسى ألبير كامى يقول: عش ثائراً على الحياة ومت ثائراً على الموت.
تثار قضية الحياة والموت كلما اقترب الموت منا وخطف عزيز علينا، فنفكر فيه وكأنما هو ليس موجودا!.
هذا الأسبوع رحلت عنا دنيانا سيدة فاضلة هى: نعيمة رياض الغرب، والدة زوجتى منى الملاخ، عرفت هذه السيدة وأنا طالب فى الجامعة فكانت بمثابة الأم الثانية لي طوال حياتي، وشعرت بصدق وجمال تعبير سليمان الحكيم عندما قال:
إمرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللائلئ.كانت هذه المرأة هى التى يتحدث عنها سليمان الحكيم، ولست أبالغ فى حديثي لأنها أم زوجتي، لكن المصادفات الجميلة ودعاء أمي لي جعلني أرى وأتعامل وأعيش مع هذه السيدة المفضالة نعيمة رياض التى سهرت الليالى وقاست وعانت لتربى أبناءها تربية فاضلة على الأخلاق الحميدة والقيم الدينية الأصيلة، وبخاصة بعد أن رحل زوجها المهندس لويس وليم الملاخ عنها وهى في عز الشباب، ولأنها تعبت وربت وعانت وسهرت الليالى فان الله كافأها ولم يضيع جهدها وحياتها هباءً، بل جعل من أبنائها كتيبة لخدمة الوطن فى عدة مجالات: ليس الملاخ مدير تحرير جريدة الأهرام، محسن الملاخ خبير سياحي، منى الملاخ نائب رئيس تحرير مجلة المصور، الدكتور يوسف الملاخ عميد شعبة الآداب بمدينة الإنتاج الإعلامي، اليس الملاخ وكيل وزارة الاعلام، نادية الملاخ نائب مدير تحرير جريدة الأهرام، نجوى الملاخ فنانة مونتير فى المركز القومى للسينما، وأصغر الأبناء ياسمين الملاخ مدرسة الموسيقى، هذه هى الباقة الحقيقية التى قدمتهاالسيدة نعيمة رياض للمجتمع، والكل يشهد أن كل منهم ناجح وبارز فى عمله وخدمته لمصرنا العظيمة. ماذلنا نتمسك بالعادات القديمة لأجدادنا المصريين القدماء، بل أن بعض هذه العادات دخلت ضمن طقوس المسيحية أيضا مثل الاحتفال باليوم الثالث لرحيل المتوفى ونقيم صلاة فى بيته يرأسها قس ويصلي على الماء والخبز، حدث هذا فى يوم الاثنين الماضى يوم الثالث لرحيل حبيبتنا والدتنا نعييمة، قمنا بالصلاة وبعدها جلسنا أعضاء الأسرة، من الطبيعى أن يتناول الحديث موضوعات كثيرة، قال لي عديلى الفنان المهندس سمير كامل: أريد أن تغير طريقة كلامك فى التليفزيون فى حواراتك فى البرامج وتحدثنا كيف نستفيد بالثقافة فى حياتنا العملية بحيث لا يكون الكلام عن الثقافة مطلقاً.؟ ثم قال ماهر صديقى عديلى أيضا لسمير: اشرح له ماتريد بالضبط، وتدخل رجائي وليم عديلى الثالث.. هو عايز تقدم له تجارب حية يستخدمها الجميع لكى تكون الثقافة عملية حية ليس مجرد كلاما، قلت لرجائى يبدوأنك لا تستطيع أن تنسى أنك مدرس جغرافيا ومع ذلك كل منا لديه تجاربه الحية والمواقف التى يمكن أن يستفيد منها ويقولها للآخرين.. وهنا تدخل رجائى وليم قائلا: تذكرت أريد أن أحكى لكم تجربة حية أستفدت منها جدا، كنت مع زوجتى نتناول المياة الغازية فى السيارة، وأثناء الأشارة الحمراء توقفت ثم فتحت باب السيارة ووضعت العلبة الفارغة على الرصيف وفوجئت برجل أجنبى يلتقط العلبة من على الأرض ويعطيها لى ثانية مبتسم إبتسامة إستنكار.. الواقع أننى شعرت بخجل شديد من تصرفي هذا الغير الحضاري وأنا المدرس المفروض أننى مثل أعلى، ومن يومها أحكي هذا الموقف لتلاميذي ولا أخجل من الاعتراف بخطئ، فالحضارة سلوك سوى نظيف مؤدب.
المصريون أصحاب حضارة قديمة هى أول حضارة فى التاريخ وفى كتاب الموتى يعبر الإنسان عن ذلك أثناء محاسبته فى العالم الآخر فيقول: لم ألوث مياه النيل.. لم أحرم طفل من كوب اللبن.. لم أكذب أو أقتل أو أتسبب فى أذية أحد أو أعطل أحداً عن عمله.
Blogger Comment
Facebook Comment