"المرأة عدو المرأة"؟

بقلم /يسري مصطفى
رغم أن العنوان بين مزدوجين وتم وضعه فى صيغة سؤال، إلا أن ما لفت نظرى أن يكون “عداء المرأة للمرأة” هو العنوان الأول فى كتاب د. عزة شرارة بيضون الجديد “مواطنة لا أنثى” والذى صدر حديثا عن دار الساقى ببيروت. فهل المرأة فعلا تكره بنات جنسها؟ هذا ما تحاول الكاتبة الإجابة عنه من منظور معرفى يبحث فى منهجية معالجة الظاهرة. وبشكل عام فإن ما نراه ونسمعه ونتخيله هوأن الغيرة بين النساء أكثر من تلك الموجودة بين الرجال، كما يُشاع أن التنافس بين الرجال غالبا ما يكون فى المجال الاقتصادى والسياسى أما التنافس بين النساء هو أكثر فى الأمور الحياتية والشخصية، فإذا كان الرجال يتنافسون على من هو الأقوى إقتصاديا أو سياسيا أو عضليا، فإن النساء يتنافسن على القدرات الجمالية والإنجابية. هذا هو الشائع وربما يكون الفعلى نسبيا، ولكن ليس بسبب أن طبائع الأمور تقتضى ذلك، بل بسبب أن الأنظمة الاجتماعية والأدوار الاجتماعية أدت إلى ذلك، ومن ثم فإن النساء عندما يقررن تغيير قواعد اللعبة ويتنافسن اقتصاديا أو سياسيا مثلا،تصبح المسألة مزعجة ليس للرجال فقط، بل بين النساء ممن ارتضين البقاء فى ملعب نظام الأدوار النمطية. كما يمكن القول أن النظام الأبوى هو نظام إحتكارى وتنافسى فى آن واحد، فالرجال يتنافسون للحصول على أكبر قدر من النساء، والنساء يتنافسن من أجل أن يجدن موقعا لهن فى عالم الرجال، ولا يجب أن نتصور أن هذا النظام يسمح للرجال أو النساء بالخروج من دائرة الاحتكار والتنافس الجندرى بسلام، فهذا قد يسلتزم عقابا اجتماعيا أو أخلاقيا أو حتى قانونيا باسم الشذوذ والنشوز أو غير ذلك من الصفات.
 وتأتى معالجة الدكتورة عزة شرارة بيضون لهذا الموضوع فى كتابها ليس بهدف التأكيد على وجودالظاهرة أو نفى هذا الوجود، ولكن بهدف تقديم قراءة معرفية لأسبابها كظاهرة اجتماعية، ونقد الأفكار التى تفسرها على أنها “خاصية نسائية” أو بمعنى آخر “طبيعة نسائية”. وتقدم أمثلة دالة فى هذا الصدد، فمثلا توجد توقعات بأن يحدث تضامن ما بين النساء وخاصة فى المجال العام، كأن نتوقع أن تذهب أصوات النساء فى الانتخابات إلى المرأة إذا كان التنافس بين رجل وإمرأة، ولكن عندما يحدث العكس فإن الإنطباع السائد هو أن النساء يفضلن الرجل على المرأة. وتقول د. عزة “وهكذا تبدو سلوكيات مخالفة لذلك التعاطف وكأنها “خيانة” تستدعى إطلاق صفة العداء المطلق لجنس النساء، فتعمى من تبنى المقولة عن عداء الرجال بعضهم لبعضهم الآخر فى وضعية شبيهة، جاعلة العدائية لإمرأة ما دليلا إضافيا على عداء “المرأة للمرأة”. وسمة نسائية أصيلة“. ويفضىإفتراض أن عداء المرأة للمرأة طبيعة نسائية إلى إفتراض آخر وهو أن الرجال يتصرفون بصورة مختلفة أو أن “التضامن الرجالى” طبيعة ذكورية، كما يعنى تعميما فكرة أن النساء لا يتضامن على الإطلاق، بإعتبار أن العداء بينهن هو القاعدة، ويفضى التعميم كذلك إلى تجاهل خصوصية كل موقف يستدعى التضامن أو عدم التضامن وفق أسباب محددة. وبشأن التعميم تقول د. عزة “أن التعميم لا يفيد، فهذه الظاهرة يجب أن تناقش من منظور موقع النساء فى النظم الاجتماعية، كما أن بعض الظواهر يجب أن تناقش فى خصوصيتها ولا يجب تعميمها، كأن يكون تصويت النساء لرجل بعينه فى الانتخابات له أسبابا فعلية تتعلق بالكفاءة أو الثقة أو غيره“، ولكن الخطأ هو أن يتم إعتبار أن التصويت لهذا الرجل بالذات هو تصويت لجنس الرجال فى المطلق. فالمعيار فى هذه الحالة هو المصداقية أو المهنية أو المواقف، وليس المذكر والمؤنث. وتذهب إلى حد وصف الاعتماد على معيار الجنس بشكل نمطى ومطلق تعصبا جنسيا فتقول “إن من يستنتج أن “المرأة عدوة المرأة” فى هذه الحالة يشبه من يختار شخصا لمهنة معينة بسبب انتماءاته الطائفية (أو العشائرية أو العائلية، إلخ من انتماءات طبيعية)، لا بسبب كفاءته فى تنفيذها. التعصب الجنسى هو صنو التعصب الطائفى أو (أو العشائرى أو العائلى..). 
  وتكمن أهمية طرح د. عزة فى أنه يساعدنا على الخروج من دائرة التحيزات والتعصب ضد النساء أو معهن، فنحن فى حاجة إلى مقاربات معرفية لفهم الكثير من الظواهر ذات الصلة بالعلاقة بين الرجال والنساء أو بين الرجال والرجال أو بين النساء والنساء. وبهذا المعنى فإن ما تقدمه ليس وصفا لظاهرة، وإنما نقدا لطريقة تفكير تبدأ من منطلقات غير واقعية أو متخيلة لتخرج بنتائج غير واقعية تخدم فقط المُتخيل.
Share on Google Plus

About صوت الناس الاخبارية

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment