بقلم يوسف سيدهم
تناولت الأسبوع الماضي الواقع الحزين الذي آلت إليه الآمال في خلق تحالف وطني قوي يخوض الانتخابات البرلمانية ويعبر عن مصر30يونية ويعبر بها بأمان المرحلة الثالثة والأخيرة من خريطة الطريق,فإذا بنا ننتهي إلي عدد ضخم من المرشحين المنتمين إلي نحو سبعة تحالفات مدنية-بخلاف المستقلين-من المفترض أنهم ينجحون في الحصول علي أغلبية مقاعد البرلمان في مواجهة تحالف الأحزاب والتيارات الدينية…ويتساءل المهمومون بأمر البرلمان المقبل:كيف يكون ذلك؟…والحقيقية أنه لا أحد يعرف الإجابة!!
لقد فشلت الأحزاب المدنية في استيعاب خطورة المرحلة المقبلة وانغمست في سلسلة لاتنتهي من المساومات والمشاحنات حول المكاسب التي يجنيها كل منها في إطار التحالف حتي انهار التحالف وتفكك,وما انتهينا إليه قبل إغلاق باب الترشح للبرلمان لايمثل أية تحالفات سياسية أو توجهات حزبية أو برامج انتخابية علي الإطلاق…هو فقط يمثل آخر وضع من التشرذم والتبعثر وصلت إليه الأمور قبل إغلاق باب الترشح!!…فنحن نسمع عن أسماء أطلقتها التحالفات علي نفسها تعكس واجهة خارجية براقة حيث تتغني كلها بحب مصر,وبمصر القوية,وبالوطنية…إلي آخر ذلك من العبارات الرنانة,لكنها لاتعكس أي توجه سياسي أو ارتباط وثيق بين أطرافها مما يترك مساحة كبيرة من القلق لدي المراقبين ومساحة أكبر من الحيرة لدي الناخبين.
كنت أتصور أنه إذا تشدقت الأحزاب السياسية-التي يقترب عددها في الخريطة السياسية من90حزبا(!!)-بضرورة إعلاء المفهوم الحزبي عند رسم السياسيات الانتخابية,وانعكاس ذلك علي تقسيم مقاعد البرلمان….كنت أتصور أن هذا العدد الهائل من الأحزاب سوف يسلك بشكل يؤكد النضج السياسي,فمثلا إذا تعذر الاتفاق علي تحالف واحد وطني قوي يخوض الانتخابات أمام التيارات الدينية يتجه الفكر الحزبي إلي تكوين ثلاث حزم رئيسية تمثل تيارات اليمين والوسط واليسار تندرج تحتها سائر الأحزاب تبعا لانتماءاتها وأيديولوجياتها وبرامجها,فنخلص إلي ثلاثة كيانات سياسية قوية تستطيع التنافس فيما بينها وترسي الأساس السليم لكيفية التوجه إلي الجماهير واستمالتها وحشدها وتكون الاختلافات السياسية بينها واضحة قاطعة لا لبس فيها…لكن للأسف شئ من ذلك لم يحدث ويقف المرء أمام التحالفات القائمة حاليا والمتأهبة لخوض الانتخابات يبحث عن اختلافات سياسية أوبرامجية بينها يهتدي بواسطتها إلي اختياراته وأفضلياته بين المرشحين أمام الصندوق,فلايجد أية فروق سوي تقييمه لأسماء بعينها زرعت وسط مرشحي الفردي أو مرشحي القوائم لانتشارها السياسي أو الوطني أو الإعلامي أو حتي الرياضي والفني,لكن دون أدني علاقة لها بالعمل البرلماني…كذلك يجد المرء نفسه مرجحا تحالفا بعينه لوجود اسم مرشح يعرفه ضمن مرشحيه أو وسط قوائمه بالرغم من أن ذلك المرشح لا علاقة له بالدائرة الانتخابية التي سيذهب إليها للإدلاء بصوته…إلي هذا الحد تاهت الأمور ولم تعد هناك معايير قوية واضحة تفصل بين التحالفات التي فشلت في الاندماج ووقفت فرادي تنتظر مجرد الحظ والصدفة في تحقيق الفوز بمقاعد البرلمان…ناهيك عن قدرة كل منها علي الاستحواذ علي أغلبية الأصوات!!
وكنت أتصور أيضا أنه بما أن الواقع هزيل وبائس إلي تلك الدرجة وضاعت الفرصة من الأحزاب في خلق التحالف القوي المأمول-أو حتي الانضواء تحت تكتلات سياسية ثلاثة لليمين والوسط واليسار-فعلي الأقل سوف تمتلك الحصافة السياسية في التخطيط الجيد لإدارة المنافسة فيما بينها بشكل يضمن الفوز ولا يورث الضياع والحسرة…فإذا كنا انتهينا إلي نحو سبعة تحالفات متشابهة متقاربة في مقوماتها وملامحها فعلي الأقل كان الأجدر بها أن تتفق علي تقسيم الخريطة الانتخابية فيما بينها بحيث ينفرد كل تحالف من السبعة في التقدم لدوائر بعينها يمتلك فيها ميزات تنافسية أكثر من الآخرين ويحجم باقي التحالفات عن الدخول فيها بل ويعملون علي مؤازرته فيها,وهكذا تتبادل كل التحالفات مناطق العمل وتتمتع بمؤازرة الآخرين دون منافستهم…فنكون بشكل عملي قد عالجنا هذا التشرذم السياسي ووقينا أنفسنا شر التمزق الذي قد نخرج منه جميعا خاسرين.
للأسف لم نسمع عن أي شئ من هذا القبيل ويبدو أنه مقدر لمصر أن تنضج ديمقراطيا بعد أن تدفع ثمن مرارة التجربة والفشل…لكن إن كانت المراهقة الحزبية هي السائدة فما العمل لترشيدها؟….تحضرني هنا تجربة إصلاح النظام المصرفي المصري حين صدرت القرارات السيادية بإلزام البنوك التي يقل رأسمالها عن500مليون جنيه بزيادة رأسمالها إلي هذا الحد أو بالاندماج مع بنوك أخري تحقيقا لذلك وابتغاء لخلق كيانات مصرفية قوية تستطيع الصمود والعمل وخدمة التطور الاقتصادي…ألسنا في حاجة ماسة بعدما رأينا من مراهقة حزبية سادت الاستعداد للانتخابات البرلمانية إلي بلورة رؤية تفرز معايير ملزمة للأحزاب للاندماج مع بعضها البعض تأسيسا لكل ثلاث تضم اليمين والوسط واليسار وينبع منها تنوع العمل السياسي الحقيقي ويتوزع خلفها المصريون أمام صناديق الانتخاب؟
والآن وقد حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية تقسيم الدوائر وتوزيع المقاعد,وبعدما أعطي الرئيس الحكومة شهرا للانتهاء من تعديل قانون الانتخاب مما سوف يترتب عليه إعادة الترشح للبرلمان,أجد في ذلك فرصة أخيرة للأحزاب لإعادة تقييم فشلها وأمامها ملحق للامتحان لعلها تنحج فيه… فهل نري ميلاد تحالف لليمين والوسط واليسار؟…أم هل نري توزيعا حصيفا للتحالفات علي الدوائر؟…هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.
Blogger Comment
Facebook Comment