“الحب والكراهية”

الكاتب / يسري مصطفي
 بقلم / يسري مصطفي
لفت نظري كتاب “الحب والكراهية” لميلانى كلاين وجون ريفييرا، وهما من الأسماء المعروفة فى مجال التحليل النفسي. وربما يكون السبب وراء جاذبية العنوان والمحتوى هو الجمع بين الحب والكراهية، فثمة شئ ما يجمعهما ويربط بينهما. فنحن نتحدث ربما بشكل يومي عن الحب والكراهية والعنف والغيرة والحسد وغير ذلك من مشاعر وانفعالات، ومع إنها أشياء يومية ومعتادة، إلا أننا كثيرا ما لا نفهم حقيقة مشاعرنا وإنفعالاتنا. فالشائع أننا نحب ما نحب ونكره ما نكره، ولكننا قد لا نعرف فى كثير من الأحيان لماذا نحب ولماذا نكره؟ وإذا لم يكن هناك سبب مباشر للتعبير عن الحب أو الكره، فإننا عندما نبحث عن إجابات فغالبا ما نستدعى تلك التى نحبها ونبعد تلك التى نكرهها، لأن هدفنا هو البحث عن الراحة وليس الحقيقة. وغالبا ما نجد الراحة فى قيم مطلقة ونسبية كالخير والجمال كموضوعات للحب، والشر والقبح كموضوعات للكره، ولكن المشكلة أننا بقدر ما نقترب من القيم المطلقة بقدر ما نبتعد عن الواقع المعاش. وكثيراً ما نعترف بأننا لم نختار من نحب وليس هناك أى سبب عقلانى لمشاعر الحب أو الكراهية التى نكنها لشخص ما، تماما مثلما نشاهد مباراة كرة قدم بين فريقين لا يوجد سبب واحد يجعلنا ننحاز لأي منهما، ومع ذلك فإننا نوجه مشاعر الحب تجاه فريق وتتولد مشاعر الكراهية تجاه الفريق الآخر، وبدون سبب مفهوم سوى تصريف مخزون حب أو كره لدينا، أما الفريقان فما هما سوى موضوع لمشاعرنا وإنفعالاتنا.
ومن منظور التحليل النفسى، فإن الموضوع لا يتعلق بقيم ولكن بغرائز وإنفعالات وجدانية تجد أصولها فى غريزتين أساسيتين وهما غريزة المحافظة على البقاء والغريزة الجنسية، فهما مصدر الحب والكراهية، والتعايش والتنافس. ويُشار إلى أن إشباع هذين الغريزتين يتطلب جرعة من الجرعات العدوانية، بحسب كتاب “الحب والكراهية”. والعدوانية بهذا المعنى تمثل حالة وظيفية وعنصر أساسى فى هاتين الغريزتين، وضرورة لطريقة عملهما فى الواقع. ومع ذلك، فإن البشر غالبا ما ينكرون فكرة أن العدوانية مكون أصيل فى وجدانهم الإنسانى. ولأن مشاعر الكراهية والعدوانية مدمرة إذا ماتم اختزانها داخل النفس، فثمة آليات نفسية لإرسالها إلى الخارج من أجل حماية الذات، ومن هذه الآليات: الإسقاط، والذى يعرفه معجم مصطلحات التحليل النفسى بأنه “… بمثابة دفاع أو إلصاق لبعض الصفات والمشاعر والرغبات التى ترفضها الذات أو تتنكر لها فى نفسها، فى الآخر سواء كان هذا اللآخر شخصا أو شيئا”. وثمة آليات أخرى مثل التشتيت أى توزيع المشاعر العدائية، وكذلك نبذ ما هو مرغوب لدينا أو الحط من قيمته واحتقاره. وبإبعاد مشاعر العداء إلى الخارج وإسقاطها على شخص أو شئ، فإن هذا الشخص أو الشئ يكون موضوعا لكرهنا وعداوتنا وهكذا يتم ممارسة النزعات العدوانية بدون شعور بالذنب أو تدمير الذات. فالعدوانية الجنسية لدى المتحرش مثلا، لا يتم الاعتراف بها باعتبارها مسألة ذاتية، ولحماية الذات يجرى تحميل المرأة (أو النساء بعامة) المسئولية، فجسدها هو المسئول عن إثارة الغرائز، وهكذا يبدو الرجل المتحرش وكأنه ضحية إغراءات من خارج ذاته، وأن عدوانيته الجنسية هى رد فعل وليست فعلًا. وهذا ذاته ما يحدث على المستوى الجماعى فى صراعات الهوية، فثمة آخر نصنعه ونحمله كل الشرور ونعتبره مصدرا لتهديد سلامتنا وأمننا، وهكذا يسهل لأن يكون موضوعًا لحروبنًا ونزوعاتنا العداونية. وحتى علاقات الحب، فهى لا تخلو من النذوات والميول العدوانية، والتى تتجلى بداية من علاقة الرضيع بأمه، وحتى العلاقات الحميمية بين شخصين. فالغيرة مثلا والرغبة فى الامتلاك والسيطرة ليست منفصلة عن علاقات الحب، بل يعتبرها البعض من علامات الحب، رغم آثارها المدمرة، والتى تصل إلى حد تدمير الذات أو تدمير الشريك. ولكن الغيرة حالة وظيفية وأحد آليات حماية الذات، حيث يم استبدال الاحساس بالدونية والذل (وهى انفعالات داخلية)، بمشاعر بالغضب والعداونية والتى توجه نحو الخارج والتى يتم تمثلها كنوع من المقاومة والرفض لإعتداء خارجى من طرف ثالث
على الرغم من أن تحليل مشاعر الحب والكراهية هى من شئون أهل الاختصاص، إلا أن فهم هذه المشاعر قد يكون مفيدا بالمعنى الثقافى العام، وخاصة وأننا نعيش فى عالم يعج بالكراهية والعداوات، بداية من العلاقات الحميمية والتى باتت أكثر توترا، وحتى جرائم العنف، وعمليات الإبادة التى باتت واقع يومى فى الكثير من المجتمعات.
Share on Google Plus

About صوت الناس الاخبارية

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment