الكاتب/ يوسف سيدهم |
بقلم يوسف سيدهم
صدرت وطني الأسبوع الماضي ترتدي ثوب الفرحة والفخر في عرس قناة السويس الجديدة… كان عددا تذكاريا يوثق كيف صنعت مصر المعجزة بإنجاز هذا العمل القومي العظيم في سنة واحدة وقدمته هدية للعالم لصالح التجارة العالمية والتقدم والرفاهية لجميع الشعوب.
كانت وطني جزءا في صورة رائعة سطرها المصريون, قيادة وحكومة وشعبا وجيشا وإعلاما تعبر عن عظيم الإنجاز وصدق الفرحة, والنظرة إلي المستقبل بتفاؤل وإصرار علي استكمال مسيرة التقدم نحو بناء الدولة المدنية الحديثة… كان الالتفاف الوطني حول الحدث والاحتفالية والفرحة انعكاسا لشعب اصطف بإيمان وإصرار وجلد وراء هذا المشروع القومي ووقف شامخا- بعد عام واحد قياسي بجميع المقاييس- يقدمه للعالم.
والحقيقة التي لا تقبل التشكيك أن العالم فرح من أجل مصروإنجازها العظيم, وانهالت مشاعر التقدير والتهنئة من كل حدب وصوب علي مصر والمصريين بين مشاركة مباشرة في العرس الكبير وبين تصريحات تحمل عميق التقدير وتبعث الأمل في المستقبل الواعد الذي يمثله هذا المشروع.
لكن للأسف الشديد لا تخلو الساحة من عزف نشاز يتنافر مع عظمة وروعة الحدث… عزف نشاز تعزفه أبواق تفضح عدم ارتياحها لدور مصر وإسهامها الحضاري وهديتها للعالم… النماذج لذلك العزف النشاز ليست قليلة- ولعل أكثرها معروف سلفا ومعروف مصدره- ولكن أن يأتي النشاز من منبر إعلامي له ثقله ويفترض الكثيرون أن له مصداقية يعول عليها, فذلك الأمر الجلل الذي دعاني أن أسلط الضوء عليه لأحذر المصريين أولا والكثيرين خارج مصر من بعدهم من أن هناك من يدس لنا السم, ويشوه الحقائق, في محاولة لإفساد الفرحة.
لن أتناول حديث رخيصا آتيا من أعداء مصر في قطر أو تركيا أو بين أقطاب الإرهاب الذين يتآمرون لعرقلة مسيرة مصر الجديدة نحو الحداثة والتقدم- أو أبواقهم الإعلامية التي احترفت التزييف والكذب- لكن أقف مشدوها متألما من التقرير الذي بثته قناة بي. بي. سي. البريطانية عن قناة السويس الجديدة والذي أثق أنه لن يخدع المصريين لأنهم يعرفون الحقائق جيدا, لكنه بالقطع سوف يخدع الكثيرين من الأوروبيين والأجانب الذين إذا احترزوا من أبواق إعلامية تحترف تشويه صورة مصر سوف ينزلقون نحو تصديق تلك المغالطات الغريبة التي تضمنها تقرير الـبي.بي.سي والتي تتناقض مع السياق الثابت للحقيقة, بل أنها تتناقض مع تقرير غرفة الملاحة البريطانية نفسها… تعالوا معي في قراءة عبر تقرير غرفة الملاحة البريطانية أولا قبل أن نذهب في قراءة عبر التقرير الصادم للـبي. بي. سي… يقول تقرير الغرفة:
** إن مشروع قناة السويس الجديدة أشبه بتحويل طريق فرعي هادئ إلي طريق رئيسي سريع, محدثا ثورة في مستقبل التجارة العالمية. المشروع الذي يعد امتدادا للقناة الحالية يشتمل علي حفر مجري جديد مواز للمجري الأصلي بطول 72 كيلومترا ليتيح ازدواج حركة عبور السفن للقناة في الاتجاهين دون انتظار وبالتالي يرفع عدد السفن العابرة يوميا من 49 سفينة وناقلة إلي 85 علي الأقل خلال السنوات العشر المقبلة.. وذلك له مردوده الإيجابي علي حركة التجارة العالمية التي يتم نقل 90% منها عبر البحار والتي تعتمد عليها بريطانيا بدرجة كبيرة في تجارتها مع الشرق الأقصي. المشروع وضع نهاية لفترات انتظار السفن والناقلات حتي يأتي دورها لتتحرك عبورا للقناة ضمن قوافل الاتجاه الواحد, وأصبح الآن في مقدورها العبور في الاتجاهين في ذات الوقت دون عراقيل أو تمهل, وهذا من شأنه أن يرفع من كفاءة النقل البحري وينعكس بالفائدة والنمو علي الاقتصاد العالمي, وصرح جاي بلاتون المدير التنفيذي لغرفة الملاحة البريطانية بأن: بالأخذ في الاعتبار أن حجم التجارة العالمية عبر البحار سوف يتضاعف خلال العشرين سنة القادمة, فإن ذلك سينعكس بشدة علي عدد السفن العابرة للقناة مما يساهم في تيسير النمو الاقتصادي العالمي.
في مقابل هذا التقرير الصادر عن هيئة بريطانية مرموقة, ماذا بثت الـبي. بي. سي في تقريرها الإخباري المثير للغثيان؟!!
** افتتحت مصر امتدادا رئيسيا لقناة السويس, اشتمل علي تعميق المجري الرئيسي واستحداث 35 كيلومترا في صورة مجري جديد مواز للقديم يهدف إلي زيادة حركة العبور عبر قناة السويس, والحكومة المصرية تأمل في أن يساهم الدخل الذي يحققه المشروع الجديد في إحياء الاقتصاد الوطني, لكن المحللين يتشككون في ذلك ويشيرون إلي أن معدلات نمو التجارة العالمية لاتتفق مع تصورات الحكومة المصرية بخصوص العوائد التي سيحققها المشروع الجديد, ويظهر المصريون منقسمين بشأن المشروع من خلال تصريحاتهم للصحافة العالمية وتعليقاتهم علي مواقع التواصل, حيث يتساءل الكثيرون عن جدوي إنفاق زهاء 8.2 مليار دولار في المشروع بينما كان من الأفضل إنفاقه علي النهوض بالبنية التحتية والمرافق العامة, وفي الوقت الذي انهال فيه الإعلام الحكومي بالمديح علي المشروع ووصفه بالانتصار القومي وبنقطة تحول بعد سنوات من عدم الاستقرار, نجد الكثير من المحللين يساورهم الشك في أن تلك المغامرة ستحقق العوائد المفترضة من جرائها. فهناك أحمد كمالي الاقتصادي الذي يعمل لدي الجامعة الأمريكية بالقاهرة يصرح لوكالة رويترز للأنباء بأن التصورات المصرية الخاصة بالمشروع هي محض خيال, ولم تصدر أي جهة دراسة جدوي عنه.
وأضاف أن الفائدة المباشرة المحققة من مشروع القناة الجديدة سياسية وليست اقتصادية, نجحت فقط في توحيد المصريين وراء مشروع قومي.
الجدير بالذكر أن التوسعات الجاري إنهاؤها وافتتاحها للحركة في قناة بنما العام المقبل سوف تخصم من رصيد قناة السويس ونصيبها في التجارة العالمية بما تمثله من منافسة في جذب حركة الملاحة العابرة بين آسيا وأمريكا الشمالية.
شهد الاحتفال بافتتاح القناة الجديدة تشديد الضوابط الأمنية تحسبا لوقوع هجمات من المقاتلين المتحالفين مع الدولة الإسلامية والمتمركزين في سيناء والذين قتلوا المئات منذ إطاحة القوات المسلحة المصرية بالحكومة الإسلامية برئاسة محمد مرسي عن السلطة عام 2013.
*** لست أتحدث عما بثته قناة الجزيرة ولا أتوقف أمام أبواق إعلامية قادمة من قطر أو تركيا أو أذنابهم… إن استعرض بكل أسي وأسف ما بثته قناة بي. بي. سي البريطانية, محذرا المصريين من السم الموجه لنا وللكثيرين من مصدر يفترض مصداقيته وموضوعيته!!!
Blogger Comment
Facebook Comment